هكذا نعزز صمودَنا وقوّتنا في الحجر
الوضع لم يعد يطاق. قلبي طق. أشعر بالجنون. متى ينتهي هذا الكابوس. كيف سأعيش في ظل هذا الحجر الطويل. اشتقت إلى حياتي السابقة. كيف الخلاص.
عبارات نسمعها نقولُها ونعيشها كل يوم في ظل جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بأسره، وغيّرت حياة البشر وسيطر الرعب والضيق والهلع على الجميع.
الناس باتت تنظر إلى بعضها شذرًا. الاقتراب بات خطيئة. التواجد في مكان عام لعنة. الحل هو أن تمكث في البيت وحيدًا وتقفل مزلاج الباب والوقح هو الذي يقارب عتبتك.
أخوة لا يرون بعضهم. الأهل المسنّون متروكون لوحدهم دون زيارة أبنائهم أو أحفادهم. الابن القادم من السفر بعد فراق طويل عليه أن يمكث في غرفته 14 يومًا قبل أن تقبّله أمه.
من يلتزم بالبعد والوحدة مبجّل. من يترك مسافات بينه وبين الآخرين محترم. من يمرض عليه أن ينزوي وينفّض الجميع من حوله فهذا عرفان.
كورونا احتلّ العالم بأسره
بين يوم وليلة تغيّرت كل مفاهيمنا وأعرافنا. سادت ثقافة التعقيم والتطهير والتباعد والفرقة. سيل من النصائح صارت أساس حياتنا: اغسل يديك بالماء والصابون لمدّة 20 ثانية على الأقل، الزم بيتك وتجنَّب التجمعات الكبيرة ولا تنسى مادّة التعقيم. فلا حديث غير عن “فيروس كورونا” الذي سيطر على جميع الأجواء والمجالات.
هذا الفيروس الذي احتلّ حياة البشر كلّهم وأخضعهم لشروطه وقادهم في تدريب عجزت عنه أكبر الأمم وأعظم الحكّام . إنّه الديكتاتور الذي لا فكاك ولا حد لبطشه. ركّع أمم الأرض كافة وسيّرها على هواه وفرض شروطه، والكلّ طوعًا له، أرضخها جميعًا ومشّطها بأسنانه وجعل الكل سواسية حتى يسلم ولم يسلم.
كورونا احتلّ العالم بأسره وتغلغل حتى احتلّ الطرقات وسكن الأسطح وجدران البنايات والممرّات والمصاعد، محاصرًا ابن آدم الذي وقف أمامه مذعورًا، قليل الحيلة، ومعدوم الصلاحية حتى إشعار آخر. فقد أصبح بقاء ملايين البشر حول العالم في منازلهم ضرورةً حتمية، استجابةً للتنبيه العالمي المتزايد للحدّ من الانتشار السريع لهذا الفيروس اللّئيم.
أمام هذه الحياة الصعبة نقف عاجزين محصورين في منازلنا، لا نعرف متى الخلاص ولا كيف. وهل لو خرجنا سوف نسلم؟ ومتى سنخرج؟
نصائح للصحة النفسية خلال الحجر
مصابنا كبير حتى وإن سَلِمنا. فما بالنا لو حكينا عن الذين لم يسلموا من هذا الفيروس. فهؤلاء مصيبتهم جلل. لا عزاء لموتاهم لا زيارة لمرضاهم لا من يتفقد أوجاعهم. هذا الفيروس يذلّنا في كل نواحي وجودنا سواء كنّا على قيد الحياة أو برسم الموت.
كيف سنواجه ؟ بأيّ عزيمة وبأيّ نوع صبر؟ وبأيّ عزاء علينا أن نتمسك حتى نمرّ في هذا الكابوس الذي لا نعرف قراره بعد؟
وابل من الأسئلة تتزاحم في دماغنا اللّعين، الذي لا ينفكّ يطرح المزيد منها، وفي إطار البحث عن إجابات، تقول المعالجة النفسية حنان صادر لـ”أحوال” إنّ “علينا أن نتقبل فكرة الحجر المنزلي لأنّ انتشار فيروس كورونا دفع بالكثير من الدول في جميع أنحاء العالم إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية بعد ظهور المرض على عدد كبير من المصابين، وكان على رأسها الدعوة إلى تجنّب التجمّعات والتزام البيوت، أو ما يمكن أن يسمى بالحجر المنزلي. وهذا الإجراء الاحترازي مهم، لأنّه يوفّر الحماية للشخص والمحيطين به، وبالرغم من أنّ فكرة العزل هذه تتنافى مع كون الإنسان بطبعه كائنًا اجتماعيًا، إلّا أنّ انتشار الإصابة المحتمل من خلال الاتصال المباشر كان سببًا في هذا الإجراء. وننصح كمعالجين نفسيين بأهمية تعزيز الصحة النفسية من خلال تغيير السلوكيات التي نمارسها في المنزل، وذلك لدور الصحة النفسية المهم في هذه الفترة، ولما تشكله من تأثير مباشر في مناعة الأفراد.
أهم نصيحة لتعزيز الصحة النفسية هي “قبول فكرة الحجر”
ونحن هنا بحاجة إلى طرق جديدة ومبتكرة لتجاوز الأزمة، أهمها الصحة النفسية، لذا يجب الانتباه إلى أن تمتع الشخص بالصحة النفسية يجعله قادرًا على أن يحقق أمورًا عديدة، ويستطيع استغلال قدراته وطاقته جميعها وبأقصى مدى. ويعتبر امتلاك الصحة النفسية حاليًا عاملًا مساعدًا بشكل كبير على إدارة الأزمة الراهنة، بالتعامل مع انتشار فيروس كورونا، بل مواجهته والتغلب عليه.
وتساعد الصحة النفسية الشخص على أن يعيش في سلام وراحة نفسية، وتحقق له الرضا الداخلي والأمن النفسي، وفي ظلّ الأزمة الراهنة فإنّ الاحتياج إلى السلام الداخلي يعدّ أكبر المتطلبات، نظرًا للمخاوف الكثيرة بسبب ما يحدث في مختلف الدول جراء الهجوم الفيروسي، والأخبار التي لا تبشّر بالخير.
البقاء في البيت يشكل أمنًا للفرد لذا عليه أن يتقبل هذه الفكرة برحابة صدر. ويعرف أنّ من لا يجيد التعامل مع أزماته يعيش قلِقًا ومتوترًا، وهو الأمر الذي يؤثر في صحته النفسية.
وأهم نصيحة تقدّمها المعالجة حنان صادر لتعزيز الصحة النفسية هي “قبول فكرة الحجر”، والهدف من ذلك الحصول على السلام الداخلي والأمن النفسي، بينما رفض الحجر المنزلي من شأنه تأزيم السلوكيات السلبية، وبالتالي يجعل الفرد يقاوم الفكرة، مما يتسبب في القيام بسلوكيات خاطئة يدفع ثمنها هو وأسرته في المستقبل.
عدم التفكير بالمستقبل ووضع خطط مستقبلية
يجب أن يتقبل الشخص فكرة الحجر المنزلي، وأنّ بقاءه ليس عقوبة وإنما سلوك إيجابي، وفرصة لاكتشاف الذات والقدرة على التحمل والصبر، وتوفير بدائل للقيام بها بحسب المتاح، ودائمًا بحسب المُعالجة النفسية.
وتضيف صادر: “عدم التفكير بالمستقبل ووضع خطط مستقبلية لأنّ هذا من شأنه أن يزيد الإحباط فنحن الأن لا نملك مفاتيح المستقبل ولا يجب أن نفكر ماذا يمكن أن يحدث غدًا أو بعد فترة لأنّ ما أتوقعه قد لا يحدث وهذا قد يسبب خيبة. أفضل ما أقوم به الأن هو التفكير بما يخصني ويخص عائلتي والابتعاد عن كل فكرة سلبية”.
الابتعاد عن نشرات الأخبار وعن مواقع التواصل الاجتماعي أو على الأقل التقليل منها لأنّ هذا من شأنه أن يكون محبطًا ومقلقًا.
عدم الأفراط في النوم أثناء وجودنا في البيت فهذا يسبب الخمول والروتين وبالتالي يكون ذلك مقدّمة للاكتئاب. بل يمكن استثمار الوقت في القراءة وفي مشاهدة فيلم جميل أو ممارسة التمارين الرياضية او تحسين نوعية الطعام باتّباع أسلوب جيّد يكون صحيًا.
كما أنصح بتجنب الأشخاص السلبيين في هذه المرحلة، لأنّ الحديث معهم والاستماع إليهم كثيرًا يتسبّب في حالة من التشاؤم، وهو ما يقلّل من الصحة النفسية ويدفع للإحباط.
الحجر فرصة لاتّباع نظام غذائي صحي
يرتكب البعض خطأ بعدم تغيير ملابسه لأنّه لن يخرج من البيت، فيظل بملابس النوم أو بنفس الملابس عدّة أيام، وهذا الأمر مؤشر سلبي سواء على الصحة النفسية أو المحيطين به. فمن الجيد ارتداء الملابس العادية وكأنّه سيخرج من البيت، كام أنّه من المُفيد أن يعمد الفرد منّا إلى ارتداء الألوان الزاهية التي تؤثر إيجابًا على النفسية.
وبدل الإكثار من تناول الطعام يمكن أن تكون هذه فرصة لاتّباع نظام غذائي صحي يقوّي المناعة ويصبح نهجًا صحيًّا لمدى الحياة.
العمل على تشتيت الانتباه فلا نضع ما يؤرقنا تحت المجهر فذلك سيتسبب برفع ضغط الدم وتدنّي الحالة المزاجية.
علينا أن نفكّر، تضيف صادر، بأنّنا كل يوم في معركة جديدة فلا نجهد أنفسنا بطلب الفوز بل ببذل جهد لنيل ما نريد دون تركيز على النتيجة وعندها لم نشعر بألم الخسارة.
كما علينا أن لا نسعى إلى السعادة بل أن نكتشفها في تفاصيل حياتنا لأنّه لا يوجد حزن بالمطلق أو سعادة بالمطلق.
بمكننا اغتنام الوقت للعودة إلى التنظيم وترتيب أمورنا فهذا يساعد على الانجاز والراحة النفسية.
وكذلك البحث عن الزرقة ولون السماء أيًّا كان المكان الذي نعيش فيه فهذا كفيل بحصر الكأبة واعطاءنا أملًا جديدًا.
كمال طنوس